بعض الملامح ياااااوطن..........
2 مشترك
صفحة 2 من اصل 1
بعض الملامح ياااااوطن..........
- 1 -
يصلي الفجر كل يوم في جماعة .. ثم يسبح الله كثيرا .. و عند إشراقة الشمس يصلي ركعتين .. يعود إلى البيت فيرتدي ثوبه و " دجلته " و يحط في رأسه عمامة .. ثم يخرج من البيت ماشيا نحو المحكمة .. و حين يصل إلى مكتبه تجيؤه القضايا من كل جانب .. يرتدي نظارته ثم يقرأ بعينيه كل القضايا .. يسطر الأحكام في سجل .. ثم في وقار يتجه نحو قاعة المحكمة .. يجلس على الكرسي .. يطرق الطاولة .. ثم يصدر الأحكام كما قال الله و الرسول ..
مرت السنين .. أحبه الناس فنزهوه و زكوه .. و الكل في تلك المدينة يقولون أنه كما قال الرسول " قاض في الجنة " ..
و حين توفي أبوه في المشفى .. ظل قلبه معلقا في روح أبيه .. فبكى كثيرا .. و كره الليل أكثر .. صارع اليأس و الظلام فعاد إلى الحياة من جديد ..
و لأن أخاه مات قبل أبيه .. فقد جاء أبناء أخيه يطلبون حقهم من الإرث ..
لم تتسعه الأرض فطفق يبحث عن مخارج .. ثم صادر حقهم ظلما و عدوانا .. و أكمل المشوار في الحياة .. فتذكر الناس أن الرسول قال أيضا " و قاضيان في النار " ..
- 2 -
أنهى دراسته الجامعية ثم التحق بحزب الحكومة .. صار كما كثير من الناس في الوطن خير ناصر للرئيس و أعوانه .. يدافع عنهم في كل مجلس و محفل .. يتواجد دائما ضمن الحشود المستقبلة و المودعة .. أحبه الرئيس حبا سياسيا فأصدر قرارا بتعيينه وزيرا .. ثم أغدق عليه من العطايا وفقا للدستور و الهوى .. فصار له بيت و خدم .. و سيارة و سائق .. و حرس و مرافقون .. فظل وجهه مخفيا .. و لم يعد أهل الحي قادرين على أن يروه حتى على عتبات بيته ..
في كل يوم تزيد مطالب الشعب لهذا الوزير .. يعرض عنهم و لا يقابلهم .. فلا حسيب و لا رقيب .. و في جرائد الحكومة تقرأ أعداد المشاريع المنفذة على الورق .. و التي تم صرف قيمتها من خزانة الدولة إلى جيوب أفراد الحاشية .. تقاسمها الوزير و معشر الحكومة .. و تقاسم الشعب حبر الجرائد .. و أصوات المذيعين ..!!
و حين أتاه الأجل .. أقاموا له جنازة مهيبة فحشدوا الناس ثم قبروه .. و عند التاسعة ليلا يظهر المذيع في نشرة الأخبار .. فيقول بصوت حزين انتقل اليوم إلى رحمة الله الوزير عن عمر ناهز السبعين عاما قضى معظمه في خدمة الوطن ..!
- 3 -
يعمل كمصلح اجتماعي .. يفتح باب عيادته و قلبه أيضا .. ليستقبل الخصوم و القضايا .. يتناول الأمور بهدوء و حكمة .. يبدأ الخصمان بالحديث .. يتراشقان بالكلام .. و يحمل كل واحد منهما الأخر كل الخطأ .. يثور الرجل فتتغير الملامح ثم يمطر بكلام كحجارة من سجيل .. فتبدأ المرأة بعزفها المعروف و لحنها المعهود .. فتبكي ثم تلعن الدنيا و حظها السيئ .. بينما يتأمل المصلح من بعيد كل المعركة .. فيقدر القضية ثم يبدأ بالعلاج ..
تتردد إليه كل يوم قضايا تحمل نفس الوجوه من الوجع .. يمسك الرجال جانبا و يملي عليهم " ترفقوا بهن فهن قوارير .. عاملوهن بالكلمة الطيبة .. ولو أخطأن عاتبوهن عتاب محب .. لا تضيقوا عليهن في قلوبهن .. فهن أرق من الهواء .. و أشف من السحاب .. لا تمطروا عليهن بقبيح الكلام .. و اعلموا أن الله لا يضيع عمل عامل منكم .."
و في ذات يوم دعا إلى بيته بعضا من أصدقائه .. و لما صارت الشمس في كبد السماء صلى الظهر في جماعه ثم خرج من المسجد في خطى الرجل الجليل .. دخل إلى بيته .. ثم انتظر ضيوفه فجاءوا كلهم .. دخل إلى صالة الطعام فأمر بالغداء .. جاءت زوجته إليه تتلعثم في صوتها .. و كل الخوف في عينيها .. خانتها التعابير و صياغة الخطأ .. نظر إليها بحمق .. فارتعدت ثم قالت " كنت في البارحة متعبة و مرهقة فصحوت اليوم متأخرة دون قصد و لم يجهز الغداء " .. فصاح في وجهها .. ثم طال بيده خدها الأيمن .. فكسر زجاج الحب و المودة و قتل الوقار كله ..!
- 4 -
آتاه الله موهبة الشعر .. فصار ينظم القصائد .. ثم تخصص باللغة العربية .. فصقل الموهبة .. و صار أكثر ثقة .. فشارك في المحافل و الأمسيات .. عرفه الناس شاعرا عربيا فصيحا .. أحب اللغة العربية أكثر و من فرط حبه صار يقرأ كل جملة على حائط أو لوحة في شارع أو ذكريات على باب .. ليصحح الأخطاء بينه و بين نفسه .. حتى في المجالس تكاد اللغة العربية طاغية على لغة الحوار .. ينتقد دائما المتأثرين بالعولمة المطلقة .. و كيف أن كثيرا منهم تركوا لغتهم و عروبتهم .. و صاروا أكثر فخرا باللغات الأخرى و أساليب العجم في طريقة العيش بالحياة ..
تزوج امرأة كانت تحبه فأنجبت له طفلا اسماه " شاعر " .. سافروا جميعا إلى خارج الوطن .. كبر الولد و ترعرع في كنف والديه .. و حين بلغ العشرين من عمره .. عاد و أبويه إلى الوطن فدرس اللغة و واصل المشوار حتى صار متخصصا فيها .. ثم حين التقيته يوما في مدينتي .. سألته هل صرت شاعرا بالعرب كأبيك أم ناثرا لهموم الأمة كبعضهم ؟
فأجاب "I can not speak Arabic " .. !
- 5 -
في بيت أغلب جدرانه تحن إلى تقبيل الأرض .. و أسقفه تكاد تلفظ الأنفاس و تودع السماء في أي لحظة .. تسكن فيه أسرة مكونة من زوجين و ابنتيهما و بعض من كائنات الحي الصغيرة .. يجاهد الأب بغية لقمة العيش و حفظ ماء الوجه و الكرامة .. يقتاتون في كل يوم ما يصل إلى جوفهم من فتات خبز يابس و بقايا طعام مخزن ..
استمر بهم الحال إلى أن بدأت صحة الأب في التدهور .. و بدأ قلبه الموجوع في الحزن .. يرفع يديه دائما إلى السماء " يا رب استر على ابنتي و هب لهما زوجين صالحين " .. وكذا تفعل زوجته ..
عند أنصاف الليالي المظلمات يطرق باب بيته أناس لا يعرفهم لكن الله حتما يعرفهم .. يضعون طعاما و مالا ثم ينصرفون بصمت .. و رجاؤهم أن تسد تلك الأشياء حاجة هذه الأسرة من العيش .. فتفيض أعينهم من الدمع .. فلم يتعودوا الصدقات في حياتهم بالرغم من قسوة الظروف .. عاشوا بالتعفف و العفاف و عرفهم الناس بذلك ..
و في يوم من الأيام جاء شاب لا يختلف كثيرا في حالته المادية عن هذه الأسرة .. فقابل الأب الملقي على الفراش ثم طلب يد إحدى ابنتيه .. و لأن الأب يعرف الشاب و أخلاقه في الحي فقد وافق على الزواج بمهر يسير دون شرط أو قيد آخر .. فتزوج الشاب ابنة الفقير و ساروا في دربهم .. بينما ما يزال الأب يصارع المرض .. لكنه مستمر في دعائه لابنته الثانية في أن يفرج الله أمرها ..
بعد شهور عديدة قضاها الأب بين حياة و موت أراد الله له الشفاء و العافية .. فقام من فراشه و عاود الحياة فاستقرت حالتهم .. و تحسنت شيئا فشيئا حتى أصبح من تجار المدينة .. و حين جاءه شاب يطلب يد ابنته الثانية .. أمطر عليه شروطا و قيودا .. فغالى بالمهر و أكثر الطلب .. و لما سأله الشاب " ألم تزوج ابنتك الأولى بمهر يسير دون كل هذه الشروط ؟" .. فأجابه بكل كبر " هذا الكلام أول " ..
- 6 -
خرجت بكامل زينتها .. تجر خلفها عطرها .. و ترمي من عينيها شرر .. تمشي مشية الخيلاء .. و تدق بكعبها ظهر الطريق .. يحومون حولها ذئاب جائعة و على ألسنتهم سهام صيد قاتلة .. فتعرض عنهم و تواصل المسير .. إلا ذئبا واحدا أتقن المصيدة .. فاستسلمت له .. أعطته رقم هاتفها .. تواصلا ليلا .. و تكرر المشهد .. فتأجج القلب المتيم بالهوى .. صارت رهينة لصوته .. و أسيرة المشاعر .. ففاضت بما لديها .. صارحته بحبها له .. فسال لعابه ثم ابتسم .. أرسل الشباك إليها .. فرمت إليه بدفتر كله شجن .. أجابها أن حياته برواز و عقله خال من الصورة .. فترددت كثيرا .. ثم بدأت في حياكة الصورة .. حتى اكتملت و صارت بين يديه .. و ليتها لم تفعل .. غالت بالنسج و الحياكة .. حتى بدت لديه كدمية رخيصة .. و لما صارت عنده أطراف القصيدة .. فجر الخبث و الدناءة .. فأظهر المكنون .. أرادها عنده .. أجابته بالرفض .. فسارع بالتهديد و الوعيد .. و أعلن القاصمة .. " إن لم تخرجي معي فسأنشر الصور و أبوح بالأسرار " .. فبكت بحرقة و قالت " أرجوك لا تفعل " .. فردد التهديد .. و زاد بالوعيد .. خافت على نفسها من الفضيحة والسمعة الرديئة .. فأذعنت لما طلب .. ثم خرجت إليه ..!!
- 7 -
عاش مواطنا فقيرا كالحا .. يجوب الشوارع و الأرصفة .. يبحث عن بقايا منتجات .. يجمعها ثم يبيعها بثمن بخس .. تطأ الشمس الحامية كل يوم رأسه المليء بالأحلام .. و تمطر السماء فتحيي طموحه الميت .. حاول تفسير الوطن .. و غربة العيش في خبزه .. مارس الفلسفة في البحث عن أجوبه .. إلا أنه فشل .. كان حين يرى الوطن المتمثل في أشخاص الحكومة تغص فيه كل النوايا الحسنة.. و تسافر من قلبه دعوات بالهلاك لهم .. كان إذا رأى القمر يخرج من خلف الغيوم صامتا .. يعود النبض إلى حياته .. فعاش حياته بهذه الطريقة ..
زاد الوضع تأزما في وطنه .. فخاف الرئيس و حاشيته على وطن الكراسي .. ففتحوا باب التجنيد للمغلوب على أمر حياتهم .. فأسرع المسكين و غيره كثير .. أقسموا اليمين بأن يخلصوا لله و الوطن .. فانبجست من صدورهم روح التفاؤل .. ثم باشروا أعمالهم ..
عينوا ذلك الجندي على حدود الوطن .. يبحث في حقائب المسافرين عن سلامة الوطن .. كان يستلم مرتبه اليسير بشغف ولهفة بعد عناء كل شهر .. ليجد بعد ذلك أنها مجرد نقود تسد الرمق .. تأمل في حياة الذين يحملون على أكتافهم نجوما لامعة .. و سيوفا تحصد الخزائن .. فقرر الاتجاه نحو الحياة المطلقة و نسي الآخرة .. فتح جيبه للخائنين و الفاسدين .. ليمرروا حقائب الدمار و الهلاك .. كان لزاما عليه أن يوزع الحصص بينه و رؤسائه .. كافؤه بالترقيات .. حتى صار واحدا منهم .. فصار جيبه أوسع .. عاش حياته في ضلال .. فكسب مما حرم الله .. و استمر على ذلك ..
ألم به المرض .. سافر للعلاج خار الوطن .. و ليته سافر بقلبه إلى الله .. و حين أدرك الحقيقة .. و شارف على الموت .. رفع يديه إلى السماء " يا رب اشفني " .. و " أنى يستجاب لذلك " ..!
- 8 -
نادوا بشعارات ظاهرها الدين و الصلاح و باطنها الضلال و الغي .. خرجوا على أوطانهم بالسلاح .. فقتلوا و سفكوا الدماء.. دمروا المنازل و المزارع و الطرق .. و هتكوا الأعراض .. و استباحوا حرمات الله .. !!
و حين خرج قائدهم بالصوت و الصورة إلى العالم تكلم باسم الدين و الإيمان .. و الطهر و النقاء .. و النزاهة و البراءة .. فلما حاورت جدي قال عنهم قول الشاعر :
إني على ما أراكم لا أحذركم * * * جراءة اللص و الأوباش و الفسقة
لكن أحذركم فيمن ينبري لكم * * * في معرض الزهد لكن همه السرقة
صلاته الرمح و التسبيح أسهمه * * * و صومه سيفه و المصحف الدرقة
يصلي الفجر كل يوم في جماعة .. ثم يسبح الله كثيرا .. و عند إشراقة الشمس يصلي ركعتين .. يعود إلى البيت فيرتدي ثوبه و " دجلته " و يحط في رأسه عمامة .. ثم يخرج من البيت ماشيا نحو المحكمة .. و حين يصل إلى مكتبه تجيؤه القضايا من كل جانب .. يرتدي نظارته ثم يقرأ بعينيه كل القضايا .. يسطر الأحكام في سجل .. ثم في وقار يتجه نحو قاعة المحكمة .. يجلس على الكرسي .. يطرق الطاولة .. ثم يصدر الأحكام كما قال الله و الرسول ..
مرت السنين .. أحبه الناس فنزهوه و زكوه .. و الكل في تلك المدينة يقولون أنه كما قال الرسول " قاض في الجنة " ..
و حين توفي أبوه في المشفى .. ظل قلبه معلقا في روح أبيه .. فبكى كثيرا .. و كره الليل أكثر .. صارع اليأس و الظلام فعاد إلى الحياة من جديد ..
و لأن أخاه مات قبل أبيه .. فقد جاء أبناء أخيه يطلبون حقهم من الإرث ..
لم تتسعه الأرض فطفق يبحث عن مخارج .. ثم صادر حقهم ظلما و عدوانا .. و أكمل المشوار في الحياة .. فتذكر الناس أن الرسول قال أيضا " و قاضيان في النار " ..
- 2 -
أنهى دراسته الجامعية ثم التحق بحزب الحكومة .. صار كما كثير من الناس في الوطن خير ناصر للرئيس و أعوانه .. يدافع عنهم في كل مجلس و محفل .. يتواجد دائما ضمن الحشود المستقبلة و المودعة .. أحبه الرئيس حبا سياسيا فأصدر قرارا بتعيينه وزيرا .. ثم أغدق عليه من العطايا وفقا للدستور و الهوى .. فصار له بيت و خدم .. و سيارة و سائق .. و حرس و مرافقون .. فظل وجهه مخفيا .. و لم يعد أهل الحي قادرين على أن يروه حتى على عتبات بيته ..
في كل يوم تزيد مطالب الشعب لهذا الوزير .. يعرض عنهم و لا يقابلهم .. فلا حسيب و لا رقيب .. و في جرائد الحكومة تقرأ أعداد المشاريع المنفذة على الورق .. و التي تم صرف قيمتها من خزانة الدولة إلى جيوب أفراد الحاشية .. تقاسمها الوزير و معشر الحكومة .. و تقاسم الشعب حبر الجرائد .. و أصوات المذيعين ..!!
و حين أتاه الأجل .. أقاموا له جنازة مهيبة فحشدوا الناس ثم قبروه .. و عند التاسعة ليلا يظهر المذيع في نشرة الأخبار .. فيقول بصوت حزين انتقل اليوم إلى رحمة الله الوزير عن عمر ناهز السبعين عاما قضى معظمه في خدمة الوطن ..!
- 3 -
يعمل كمصلح اجتماعي .. يفتح باب عيادته و قلبه أيضا .. ليستقبل الخصوم و القضايا .. يتناول الأمور بهدوء و حكمة .. يبدأ الخصمان بالحديث .. يتراشقان بالكلام .. و يحمل كل واحد منهما الأخر كل الخطأ .. يثور الرجل فتتغير الملامح ثم يمطر بكلام كحجارة من سجيل .. فتبدأ المرأة بعزفها المعروف و لحنها المعهود .. فتبكي ثم تلعن الدنيا و حظها السيئ .. بينما يتأمل المصلح من بعيد كل المعركة .. فيقدر القضية ثم يبدأ بالعلاج ..
تتردد إليه كل يوم قضايا تحمل نفس الوجوه من الوجع .. يمسك الرجال جانبا و يملي عليهم " ترفقوا بهن فهن قوارير .. عاملوهن بالكلمة الطيبة .. ولو أخطأن عاتبوهن عتاب محب .. لا تضيقوا عليهن في قلوبهن .. فهن أرق من الهواء .. و أشف من السحاب .. لا تمطروا عليهن بقبيح الكلام .. و اعلموا أن الله لا يضيع عمل عامل منكم .."
و في ذات يوم دعا إلى بيته بعضا من أصدقائه .. و لما صارت الشمس في كبد السماء صلى الظهر في جماعه ثم خرج من المسجد في خطى الرجل الجليل .. دخل إلى بيته .. ثم انتظر ضيوفه فجاءوا كلهم .. دخل إلى صالة الطعام فأمر بالغداء .. جاءت زوجته إليه تتلعثم في صوتها .. و كل الخوف في عينيها .. خانتها التعابير و صياغة الخطأ .. نظر إليها بحمق .. فارتعدت ثم قالت " كنت في البارحة متعبة و مرهقة فصحوت اليوم متأخرة دون قصد و لم يجهز الغداء " .. فصاح في وجهها .. ثم طال بيده خدها الأيمن .. فكسر زجاج الحب و المودة و قتل الوقار كله ..!
- 4 -
آتاه الله موهبة الشعر .. فصار ينظم القصائد .. ثم تخصص باللغة العربية .. فصقل الموهبة .. و صار أكثر ثقة .. فشارك في المحافل و الأمسيات .. عرفه الناس شاعرا عربيا فصيحا .. أحب اللغة العربية أكثر و من فرط حبه صار يقرأ كل جملة على حائط أو لوحة في شارع أو ذكريات على باب .. ليصحح الأخطاء بينه و بين نفسه .. حتى في المجالس تكاد اللغة العربية طاغية على لغة الحوار .. ينتقد دائما المتأثرين بالعولمة المطلقة .. و كيف أن كثيرا منهم تركوا لغتهم و عروبتهم .. و صاروا أكثر فخرا باللغات الأخرى و أساليب العجم في طريقة العيش بالحياة ..
تزوج امرأة كانت تحبه فأنجبت له طفلا اسماه " شاعر " .. سافروا جميعا إلى خارج الوطن .. كبر الولد و ترعرع في كنف والديه .. و حين بلغ العشرين من عمره .. عاد و أبويه إلى الوطن فدرس اللغة و واصل المشوار حتى صار متخصصا فيها .. ثم حين التقيته يوما في مدينتي .. سألته هل صرت شاعرا بالعرب كأبيك أم ناثرا لهموم الأمة كبعضهم ؟
فأجاب "I can not speak Arabic " .. !
- 5 -
في بيت أغلب جدرانه تحن إلى تقبيل الأرض .. و أسقفه تكاد تلفظ الأنفاس و تودع السماء في أي لحظة .. تسكن فيه أسرة مكونة من زوجين و ابنتيهما و بعض من كائنات الحي الصغيرة .. يجاهد الأب بغية لقمة العيش و حفظ ماء الوجه و الكرامة .. يقتاتون في كل يوم ما يصل إلى جوفهم من فتات خبز يابس و بقايا طعام مخزن ..
استمر بهم الحال إلى أن بدأت صحة الأب في التدهور .. و بدأ قلبه الموجوع في الحزن .. يرفع يديه دائما إلى السماء " يا رب استر على ابنتي و هب لهما زوجين صالحين " .. وكذا تفعل زوجته ..
عند أنصاف الليالي المظلمات يطرق باب بيته أناس لا يعرفهم لكن الله حتما يعرفهم .. يضعون طعاما و مالا ثم ينصرفون بصمت .. و رجاؤهم أن تسد تلك الأشياء حاجة هذه الأسرة من العيش .. فتفيض أعينهم من الدمع .. فلم يتعودوا الصدقات في حياتهم بالرغم من قسوة الظروف .. عاشوا بالتعفف و العفاف و عرفهم الناس بذلك ..
و في يوم من الأيام جاء شاب لا يختلف كثيرا في حالته المادية عن هذه الأسرة .. فقابل الأب الملقي على الفراش ثم طلب يد إحدى ابنتيه .. و لأن الأب يعرف الشاب و أخلاقه في الحي فقد وافق على الزواج بمهر يسير دون شرط أو قيد آخر .. فتزوج الشاب ابنة الفقير و ساروا في دربهم .. بينما ما يزال الأب يصارع المرض .. لكنه مستمر في دعائه لابنته الثانية في أن يفرج الله أمرها ..
بعد شهور عديدة قضاها الأب بين حياة و موت أراد الله له الشفاء و العافية .. فقام من فراشه و عاود الحياة فاستقرت حالتهم .. و تحسنت شيئا فشيئا حتى أصبح من تجار المدينة .. و حين جاءه شاب يطلب يد ابنته الثانية .. أمطر عليه شروطا و قيودا .. فغالى بالمهر و أكثر الطلب .. و لما سأله الشاب " ألم تزوج ابنتك الأولى بمهر يسير دون كل هذه الشروط ؟" .. فأجابه بكل كبر " هذا الكلام أول " ..
- 6 -
خرجت بكامل زينتها .. تجر خلفها عطرها .. و ترمي من عينيها شرر .. تمشي مشية الخيلاء .. و تدق بكعبها ظهر الطريق .. يحومون حولها ذئاب جائعة و على ألسنتهم سهام صيد قاتلة .. فتعرض عنهم و تواصل المسير .. إلا ذئبا واحدا أتقن المصيدة .. فاستسلمت له .. أعطته رقم هاتفها .. تواصلا ليلا .. و تكرر المشهد .. فتأجج القلب المتيم بالهوى .. صارت رهينة لصوته .. و أسيرة المشاعر .. ففاضت بما لديها .. صارحته بحبها له .. فسال لعابه ثم ابتسم .. أرسل الشباك إليها .. فرمت إليه بدفتر كله شجن .. أجابها أن حياته برواز و عقله خال من الصورة .. فترددت كثيرا .. ثم بدأت في حياكة الصورة .. حتى اكتملت و صارت بين يديه .. و ليتها لم تفعل .. غالت بالنسج و الحياكة .. حتى بدت لديه كدمية رخيصة .. و لما صارت عنده أطراف القصيدة .. فجر الخبث و الدناءة .. فأظهر المكنون .. أرادها عنده .. أجابته بالرفض .. فسارع بالتهديد و الوعيد .. و أعلن القاصمة .. " إن لم تخرجي معي فسأنشر الصور و أبوح بالأسرار " .. فبكت بحرقة و قالت " أرجوك لا تفعل " .. فردد التهديد .. و زاد بالوعيد .. خافت على نفسها من الفضيحة والسمعة الرديئة .. فأذعنت لما طلب .. ثم خرجت إليه ..!!
- 7 -
عاش مواطنا فقيرا كالحا .. يجوب الشوارع و الأرصفة .. يبحث عن بقايا منتجات .. يجمعها ثم يبيعها بثمن بخس .. تطأ الشمس الحامية كل يوم رأسه المليء بالأحلام .. و تمطر السماء فتحيي طموحه الميت .. حاول تفسير الوطن .. و غربة العيش في خبزه .. مارس الفلسفة في البحث عن أجوبه .. إلا أنه فشل .. كان حين يرى الوطن المتمثل في أشخاص الحكومة تغص فيه كل النوايا الحسنة.. و تسافر من قلبه دعوات بالهلاك لهم .. كان إذا رأى القمر يخرج من خلف الغيوم صامتا .. يعود النبض إلى حياته .. فعاش حياته بهذه الطريقة ..
زاد الوضع تأزما في وطنه .. فخاف الرئيس و حاشيته على وطن الكراسي .. ففتحوا باب التجنيد للمغلوب على أمر حياتهم .. فأسرع المسكين و غيره كثير .. أقسموا اليمين بأن يخلصوا لله و الوطن .. فانبجست من صدورهم روح التفاؤل .. ثم باشروا أعمالهم ..
عينوا ذلك الجندي على حدود الوطن .. يبحث في حقائب المسافرين عن سلامة الوطن .. كان يستلم مرتبه اليسير بشغف ولهفة بعد عناء كل شهر .. ليجد بعد ذلك أنها مجرد نقود تسد الرمق .. تأمل في حياة الذين يحملون على أكتافهم نجوما لامعة .. و سيوفا تحصد الخزائن .. فقرر الاتجاه نحو الحياة المطلقة و نسي الآخرة .. فتح جيبه للخائنين و الفاسدين .. ليمرروا حقائب الدمار و الهلاك .. كان لزاما عليه أن يوزع الحصص بينه و رؤسائه .. كافؤه بالترقيات .. حتى صار واحدا منهم .. فصار جيبه أوسع .. عاش حياته في ضلال .. فكسب مما حرم الله .. و استمر على ذلك ..
ألم به المرض .. سافر للعلاج خار الوطن .. و ليته سافر بقلبه إلى الله .. و حين أدرك الحقيقة .. و شارف على الموت .. رفع يديه إلى السماء " يا رب اشفني " .. و " أنى يستجاب لذلك " ..!
- 8 -
نادوا بشعارات ظاهرها الدين و الصلاح و باطنها الضلال و الغي .. خرجوا على أوطانهم بالسلاح .. فقتلوا و سفكوا الدماء.. دمروا المنازل و المزارع و الطرق .. و هتكوا الأعراض .. و استباحوا حرمات الله .. !!
و حين خرج قائدهم بالصوت و الصورة إلى العالم تكلم باسم الدين و الإيمان .. و الطهر و النقاء .. و النزاهة و البراءة .. فلما حاورت جدي قال عنهم قول الشاعر :
إني على ما أراكم لا أحذركم * * * جراءة اللص و الأوباش و الفسقة
لكن أحذركم فيمن ينبري لكم * * * في معرض الزهد لكن همه السرقة
صلاته الرمح و التسبيح أسهمه * * * و صومه سيفه و المصحف الدرقة
hend- @ من كبار الشخصيات في المنتدى @
- عدد الرسائل : 610
العمر : 48
الموقع : mesr.mam9.com
المزاج : مش ولا بد
بلاد الاعضاء :
المهنـــــــــه :
المزاج :
تاريخ التسجيل : 29/09/2009
رد: بعض الملامح ياااااوطن..........
موضوع فى قمة الأدب وفى قمة الرقى هند
طبعا كاتبه خالد وكفى أبدع فى كتابته
موضوع فيه تركيبات جميله وعجيبة
عندما يتناول الشرح والوطن وعنوانه مثير للجدل
طبعا انتى رائعه فى طرحك ملامح الوطن
وايضا بارعه فى كل ماتختارين هند
ارق تحياتى لكى وشكرا هند على طرحك تلك الملامح
طبعا كاتبه خالد وكفى أبدع فى كتابته
موضوع فيه تركيبات جميله وعجيبة
عندما يتناول الشرح والوطن وعنوانه مثير للجدل
طبعا انتى رائعه فى طرحك ملامح الوطن
وايضا بارعه فى كل ماتختارين هند
ارق تحياتى لكى وشكرا هند على طرحك تلك الملامح
صفحة 2 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى