ظالم من الدرجة الأولى إنه الحجاج بن يوسف


خطب فى الناس و صلى بهم الجمعة ثم مشى بجانب سجنه فبكى السجناء، و رفعوا أصواتهم بالبكاء، عله أن يسمعهم فيرحمهم، فسمعهم ثم قال لهم


" اخسئوا فيها و لا تكلمون"


أمر الحجاج حراسه باحضار الإمام سعيد بن جبير، فلبس سعيد بن جبير اكفانه و
تطيب وذهب معهم الى الحجاج،و قال اللهم يا ذا الركن الذى لا يضام و العزة
التى لا ترام، اكفنى شره و كان فى الطريق يقول لا حول و لا قوة الا بالله،
خسر المبطلون و دخل سعيد على الحجاج، وقال سعيد


السلام على من اتبع الهدى، و هى تحية موسى لفرعون


قال الحجاج : ما اسمك قال


سعيد: اسمى سعيد بن جبير


قال الحجاج: بل أنت شقى بن كسير


قال سعيد: أمى اعلم اذ سمتنى


قال الحجاج: شقيت أنت و شقيت أمك


قال سعيد: الغيب يعلمه الله


قال الحجاج: ما رأيك فى محمد صلى الله عليه و سلم


قال سعيد: نبى الهدى و امام الرحمة


قال الحجاج: ما رايك فى علىّ


قال سعيد: ذهب الى الله امام هدى


قال الحجاج: ما رأيك فىّ


قال سعيد: ظالم تلقى الله بدماء المسلمين


قال الحجاج: علىّ بالذهب و الفضة، فأتوا بكيسين من الذهب و الفضة و أفرغوهما بين يدى سعيد بن جبير


قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ ان كنت جمعته لتتقى به من غضب الله، فنعما صنعت،
و ان كنت جمعته من أموال الفقراء كبرا و عتوا فوالذى نفسى بيده، الفزعة
يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما ارضعت


قال الحجاج: علىّ بالعود و الجارية فطرقت الجارية على العود و أخذت تغنى، فسالت دموع سعيد على لحيته و انتحب


قال الحجاج: ما لك، أطربت؟


قال سعيد: لا و لكنى رأيت هذه الجارية سخّرت فى غير ما خلقت له، و عود قطع و جعل فى المعصية


قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك


قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما فى القبور، و يحصل ما فى الصدور ذهب الضحك


قال الحجاج: لماذا نضحك نحن اذن


قال سعيد: اختلفت القلوب و ما استوت


قال الحجاج: لأبدلنك من الدنيا نارا تلظى


قال سعيد: لو كان ذلك اليك لعبدتك من دون الله


قال الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحد من الناس، فاختر لنفسك


قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت،فوالله لا تقتلنى قتلة، الا قتلك الله بمثلها يوم القيامة


قال الحجاج: اقتلوه


قال سعيد: وجهت وجهى للذى فطر السموات و الأرض حنيفا مسلما و ما انا من المشركين


قال الحجاج: وجهوه الى غير القبلة


قال سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله


قال الحجاج: اطرحوه ارضا


قال سعيد و هو يبتسم: منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخرى


قال الحجاج: أتضحك


قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك و جرأتك على الله


قال الحجاج: اذبحوه


قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدى


و قتل سعيد بن جبير و استجاب الله دعاءه، فثارت ثائرة بثرة ( هى الخراج
الصغير) فى جسم الحجاج فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج شهرا كاملا


لا يذوق طعاما و لا شرابا و لا يهنأ بنوم و كان يقول و الله ما نمت ليلة الا و رأيتنى اسبح فى
أنهار الدم، و أخذ يقول


مالى و سعيد، مالى و سعيد


و يقول هذا الظالم عن نفسه قبل ان يموت، رأيت فى المنام كأن القيامة قامت، و
كأن الله برز على عرشه للحساب فقتلنى بكل مسلم قتلته مره، الا سعيد بن
جبير قتلنى به على الصراط سبعين مره


و " ان ما توعدون لأت و ما أنتم بمعجزين"