هجمة أهل النفاق على الإسلام




لا تزال حلقات الكيد بالمسلمين تتتابع، ومكر المتربصين يتسارع، وقوى الحق والباطل تتصارع {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (الفرقان:31)، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون} (الأنعام:112).

وتأتي على الأمة الفواجع والزوابع لتُظهر دخيلة أهل النفاق والشقاق وسوء طويَّتهم، وتكشف رداء المدراة، وتمزق ثوب المراوغة، وصدق الله القائل {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُم. وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (محمد:29-30).

ويأتي الهجوم المعلن، والعداء المبطن على الإسلام وعلمائه وأهله وأسسه وثوابته ومناهجه وبلاده من ذوي الفكر المقبوح والتوجه المفضوح، ليؤكد بجلاء أن من بين صفوف الأمة أدعياء أخفياء، كاذبون في الولاء والانتماء، سلكوا مسالك عدائية، وطرحوا في تضاعيف الصحف أفكارا علمانية لا دينية، شمَخَ كلُّ واحدٍ منهم بأنفٍ من الجهل طويل، واحتسى من قيح الخُبث وقبيح الأباطيل، ونطق بالزور وافترى الأقاويل.



أفكار ضالة مضللة



قومٌ بُهت، دنَّسوا وجه ما كتبوا عليه من قرطاس، ولطخوه بعقائد الشك والجحود والوسواس، مقالات شوهاء، وكلمات عرجاء وحماقات خرقاء، تبت يدا من خطها وتب، ما أقبح فعله وما كسب، ألسنة شأنُها الإفك والخطل، وقلوب أفسدها سوء العمل، يريدونها فتنة عمياء، ويبغونها حياة عوجاء، نقد بلا علم، وحوار بلا حلم، ومعالجة بلا فهم، غث فارغ واستخفاف ماكر، أسافل قد علت، لم تعلُ من كرم، وأقزام تطاولت، وأقلام مأجورة تهافتت على الزور وتعاهدت، فكان حقًّا على كل مسلم أن يكشف ضلالهم، ويدفع باطلهم.

شراذم قاصرون، وشذاذ أفّاكون، جاءوا ببضاعة غريبة اسمها العلمانية، وحقيقتها اللادينية، وهدفها إزاحة الإسلام عن الحياة بالكلية، يدعون أمتهم إلى مذاهب الغرب في الحكم والإدارة، وسلوك مسالكهم في الوضع والتشريع، يعشقون حياة الفجور والفسوق والانحراف، ويبغضون حياة الطهر والعفاف.





ماذا يريدون من المرأة؟



يهاجمون الحجاب والجلباب، ويطالبون بالسفور والاختلاط، وينادون بمساواة الرجل بالمرأة وعمل المرأة وحرية المرأة، فأي مساواة يريدون؟! وأي عمل يقصدون؟ وأي حرية ينشدون؟ أهي المساواة التي تتوافق مع الفطرة وتتناسق مع طبيعة المرأة؟ أم هي مساواة الشذاذ؟

إن المساواة عندهم هي أن تكون المرأة سلعة في يد عباد المادة والمال، مستعبدة في يد الرجل، يستمتع بها ويستذلها ويدنسها ويهين كرامتها وينتهك عرضها وشرفها، ثم يلفظها لفظ النواة، المرأة عندهم عارضة في دور الأزياء، راقصة في دور البغاء، غانية في دور الدعارة والتمثيل، ندٌّ للرجل ومماثلة له ومتصارعة معه ومزاحمة له.. هذه هي المساواة عندهم، ثم هم يريدون أن تكون بيوت المسلمين خربة.

أما المساواة في الإسلام فأرعِ سمعَك لقول الله عز وجل {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة:228)، ولقوله (صلى الله عليه وسلم) "إنما النساء شقائق الرجال" (أخرجه أحمد والترمذي)، فالمرأة شقيقة الرجل، تكمِّله ويكمِّلها، هو رجلٌ برجولته وقوامَته، وهي امرأة بأنوثتها وعفتها.

المرأة عندهم بغيٌّ من البغايا وأمة من الإماء، والمرأة عندنا أمّ رؤوم وزوجٌ حنون وأختٌ كريمة، طهرٌ وحشمة وعفاف، وحياء وشرف وإباء، مربِّية أجيال، وصانعة أبطال، وغارسة فضائل، ومرضعة مكارم، وبانية أمم وأمجاد.



هجمة على الولاء والبراء



وتمتدّ الهجمة الحاقدة من أهل العلمنة والنفاق لتُحارب عقيدة الولاء والبراء التي هي أوثق عُرى الإيمان، فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأبي ذر: "أيّ الإيمان أوثق؟" قال: الله ورسوله أعلم، قال: "أوثق عُرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله" (أخرجه الطبراني وله شواهد يقوى بها).

فلماذا يحاربون الولاء والبراء؟ ولمن يريدون أن يكون الولاء والبراء؟ نوالي من؟ ونعادي من؟ نحبُّ مَن؟ ونبغضُ من؟ إنهم يحاربون الولاء والبراء ليوقعونا في ولاء وبراء آخر، ولاءٌ لمن يحبون، وبراء ممن يكرهون، فلا ولاء حينئذ لمن يحبُّ الله ورسوله، ولا براء ممن يبغضه الله ورسوله، يريدون أن نبرأ مِن عقيدتِنا وأخلاقِنا وقِيَمنا وتاريخنا وأمجادنا؛ لنوالي عقيدة الكفر والجحود وأخلاقها وقيمها وحياتها.

يلمزون العلماء والصلحاء، ويسخرون ويستهزئون، ويحاربون أهل الحسبة ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويلفقون التهمَ ضدَّهم، ويضخِّمون أخطاءهم، وينتهكون أعراضهم، ويكتمون إنجازاتِهم، ويسكتون عن حسناتهم، سلِمت من ألسنتهم وأقلامهم القنواتُ الفضائية الخليعة والمجلات الهابطة ودور الأفلام والغناء مع أن عدد ضحاياها لا يحصى، وعدد قتلاها لا يستقصى، ولم تسلم منهم كتبُ التوحيد والعقيدة والمواد الشرعيّة، فطالبوا بتقليصها وتقليل نصابها، مع أنه لا يوجد على وجه الأرض مناهج ترعى الحقوق وتحقق الأمن والعدل كما تراه جليّا في مناهجنا المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).



المنهزمون في أنفسهم



تخبُّطٌ ظاهر وظلمٌ جائر، وانتكاسة جليّة وحرب عقديّة، يدعون إلى التسامح وهم يسلكون مسالك عدائية، ويطرحون أفكارا تبعث على الإثارة والشحناء، ويكتمون الرأي الآخر ويعادونه ويصادرونه، ويدعون إلى الوسطية بأبشع ما ترى من تطرف وغلو وشذوذ وانحراف وشطط، ينظرون إلى أمتهم بازدراء، وإلى تاريخها باحتقار، وإلى قيمها وأخلاقها بإهانةٍ واستصغار، وذلك يحكي واقع الذلّ والخنوع والانصهار والذوبان الذي يعيشونه مع الغرب، ويريدون أن تعيشه الأمّة مثلهم، يدَّعون الصدق والإصلاح والتجديد، ويرمون غيرهم بالرجعية والتعصب والجمود والتطرف والإرهاب {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} (الكهف:5)، {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون} (التوبة:107)، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ} (البقرة: 11-12).



أصولهم الخبيثة



لقد زُرعت هذه النّبتة الخبيثة والشّجرة الملعونة في بلاد الإسلام، وامتدّت أغصانها، فماذا كانت النتيجة؟ سوءٌ في الاقتصاد، وتخلّف في التكنولوجيا، وفسادٌ في الإدارة، وانحرافٌ في الإعلام والأجيال، وهزائم متتابعة في ميادين شتى.

هؤلاء هم العلمانيون، وهذه نتائجهم، وتلك ثمارهم، قومٌ مارقون، من جادَل عنهم فقد جادل عن الباطل، ومن أعانهم فقد أعان على هدم الإسلام، فاحذروهم ولا تقعوا في شراكهم وشباكهم، ولا يصدّونكم عن دينكم بشبههم وزخرف قولهم، يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال: نعم، قلت: هل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، فقلت: فهل بعد ذلك الخير شر؟ قال: نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يارسول الله، صفهم لنا، قال: هم من جلدتِنا ويتكلمون بألسنتنا" (أخرجه البخاري).

إنّ كلَّ من شذ عن دين الله تعالى أو بغى فيه بعناد أو سعى فيه بفساد فهو الشانئ الأبتر والعدو الأصغر والأحقر، أمره إلى وبال وفكرُه إلى سفال، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (المنافقون:، ومن سب الله أو سب رسوله (صلى الله عليه وسلم) أو تنقصه أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين، أو استهزأ بالقرآن أو أسقط حرمته فلا يجهل أحدٌ حكم الله فيه، ولا يُرجى منه لأمته خيرٌ ولا صلاح ولا إصلاح.



صلاح الأمة باتباع الكتاب والسنة



إنَّ أيَّ مشروع للإصلاح لا ينبع من عقيدة الأمة وكتاب ربها وسنة نبيها محمد (صلى الله عليه وسلم) وتوجيه أهل العلم والصلاح فيها هو إصلاح موهوم وتغيير مذموم وإفساد معلوم، يقول أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى "إن الله بعث محمدّا (صلى الله عليه وسلم) إلى أهل الأرض وهم في فساد، فأصلحهم الله بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) كان من المفسدين في الأرض".

من رام هدى فى غير الإسلام ضلّ، ومن رام إصلاحًا بغير الإسلام زلّ، ومن رام عِزّا في غير الإسلام ذلّ، ومن أراد أمنًا بدون التوحيد ضاع أمنه واختل، "نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، فمتى ابتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله".

لن يكون للباطل نماء ولا لأهل الزيغ بقاءٌ ما دُمنا للحق دعاة وللعالم هداة وللخير بناة، ومتى كنّا آمرين بالمعروف صدقًا، ناهين عن المنكر حقّا فإن الباطل إلى انحدار، وأهله إلى اندثار، والحق إلى ظهور وانتشار {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (يوسف:21).

إن أعداء الإسلام يريدون إبعاد الأمة عن قيمها ومعتقداتها، ولن ينبه الأمة إلا العلماء، فيجب التأكيد على دور العلماء في التصدي للهجمة الشرسة التي تتعرض لها الأمة الإسلامية.